المنهج الشكي بين المنقذ من الضلال للغزالي و مقال عن المنهاج لديكارت

Abstract

يعتبر منهج الشك من أبرز مباحث الفلسفة بمختلف نواحيه، وكما يمكن له أن يكون عملية عشوائية أقرب للسفسطة، فهو قادر على أن يكون عملية منظمة يقوم بها الفرد أملاً في الوصول لمعرفة صحيحة خالية من الشبهة والريب. ويعد الشك المنهجي الذي ينافي الشك المطلق مبحثًا لا غنى لأي مفكر عن معرفته واستعماله للوصول للحقيقة وإدراك اليقين. وإن كان الشك بمعناه العام مذموماً وغير مجدياً في الفلسفة والفكر، ولا يؤدي لمعرفة مفيدة حقيقية، إلا أن نموذج الشك القائم على المنهجية قد شكل المثال الأبرز للأداة المحَّاصة للمعارف والسالكة سبيل الوصول للحقيقة، وتتجلى هذا المنهجية في مضمون الكثير من العلوم والمعارف التي وصل إليها العلماء والفلاسفة. وفي هذا البحث سنتطرق باختصار لمفهوم الشك وأوجهه في الفلسفة، كما سنركز الحديث على الشك المنهجي الذي هو في واقع الأمر رفض وصدّ لأنواع الشك الأخرى. وأملا في فهم هذا المنهج سنتعرف على الإمام أبي حامد الغزالي الذي يعد أحد أهم علماء الحضارة الإسلامية وفلاسفتها في القرن العاشر الميلادي. ويحوز الغزالي مكانة كبيرة في مختلف العلوم والبيئات لما قدمه من تراث ثري في شتى العلوم من الفلسفة والمنطق والتصوف والفقه الإسلامي وغيرها. ويعتبر العالم والفيلسوف المسلم الغزالي من أبرز من تبنى المنهج الشكي ومضى على منواله، إذ نرى تجليات ذلك في كتابه "المنقذ من الضلال" الذي لخص فيه تجربته مع الشك ورحلة معاناته بين المعارف والمسالك راجياً الحقيقة الصحيحة والطريق المستقيم. وبعد خمسة قرون تقريبًا من وفاة الغزالي برز هذا المنهج من جديد على يد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، أحد أعلام الفلسفة الفرنسية وروادها، والذي كان له أيضاً حضور في العلوم الرياضية والطبيعية والطب. وقد تبنى ديكارت هذا المنهج في ظل النهضة الفكرية الأوروبية، في خضم انتشار الشك المطلق لدى الكثيرين من أقرانه. ويتراءى لنا استعمال ديكارت لمنهج الشك المنهجي من خلال كتابه "مقال عن المنهاج" الذي يشبه في أسلوبه وتناوله لهذا الموضوع كتاب المنقذ للغزالي. ويأتي هذا البحث كي يحدد معالم الشك المنهجي لدى كلاً من الغزالي وديكارت، ويتفحص طريقتهما في التعامل مع المعارف وصولاً للحقيقة، كما يتناول موقفهما وآرائهما من المعارف التقليدية والعقلية والحسية، بالإضافة للقواعد المعرفية التي جعلوها الوسيلة الأمثل للوصول للمعرفة الحقيقة. ونعتمد في ذلك على مطالعة كتابيهما المنقذ والمقال وتحليلهما، مستفيدين من تجربتهما ورحلتهما المعرفية في تحديد معالم الشك المنهجي وتطبيقاته لديهما. وفي نهاية ورقتنا نشير إلى إمكانية تأثر ديكارت بالغزالي في هذا السياق، كما نتطرق لأوجه الشبه بين آرائهما.