عقلانــيّةُ الجاحظ على المحــــكّ

Abstract

عملنا في هذا المقال الكشف عن مظاهر من عقلانيّة الجاحظ من خلال تعريفه للعقل، لا سيما باعتباره معرفة للحاجات، وهو تعريف يصلح أن يكون بديلا للتعريفات الموغلة في التجريد التي طغت على فهم الفلاسفة المسلمين القدامى للعقل، فالإنسان العاقل لدى الجاحظ هو الذي يعرف مقادير حاجاته. يؤكّد هذا المفكّر على أنّه ثمّة حاجة إلى العقل، هي أشبه ما يكون بحاجة الإنسان إلى الغريزة ليحيا ويحافظ على بقائه ولكنه على خلاف الغريزة التي تنشد الإشباع وتدفع صاحبها إلى تحقيق شهواتهـا، فإنّ للعقل ضوابطه ونواميسه ووظائفه التي ليس أقلّها هو كبح جماح هذه الغريزة ذاتها وإلجامها وتهذيبها. ولذلك فإنّ العقل هو ضرورة تستوجبها الحياة الإنسانيّة، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بالفكر الذي يجعل من الموضوعيّة والنزاهة العلميّة بوصلة له. غير أنّه للوصول إلى هذه الغاية لا بدّ من التسلّح بالشكّ ليس لمجرّد الشكّ في ذاته، وإنّما لغاية المعرفة، أي إلى الشكّ المنهجي كما يُصطلح عليه في الفلسفة الحديثة الذي يدفع الباحث إلى تمحيص الأخبار وتدقيقها وإثبات الحقيقي منها بالحجّة والدليل، أي الاستدلال على ذلك منطقيّا حتى تكون مطابقة للعقل. هذا ما سعينا إلى إبرازه في هذا المقال دون أن نغفل عن نقد الجاحظ وبيان خروجه عن النواميس الذي ضبطها بنفسه للعقل وذلك لخضوعه لضغط المخيال السياسي والاجتماعي والثقافي.